كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُسَمُّونَ أَنْفُسَهُمْ مُوَحِّدِينَ، وَهُمْ يَفْعَلُونَ مِثْلَمَا يَفْعَلُ جَمِيعُ الْمُشْرِكِينَ وَلَكِنَّهُمْ يُفْسِدُونَ فِي اللُّغَةِ كَمَا يُفْسِدُونَ فِي الدِّينِ، فَلَا يُسَمُّونَ أَعْمَالَهُمْ هَذِهِ عِبَادَةً، وَقَدْ يُسَمُّونَهَا تَوَسُّلًا أَوْ شَفَاعَةً، وَلَا يُسَمُّونَ مَنْ يَدْعُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ أَوْ مَعَ اللهِ شُرَكَاءَ، وَلَكِنْ لَا يَأْبَوْنَ أَنْ يُسَمُّوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَشُفَعَاءَ، وَإِنَّمَا الْحِسَابُ وَالْجَزَاءُ عَلَى الْحَقَائِقِ لَا عَلَى الْأَسْمَاءِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ إِلَّا دُعَاءُ غَيْرِ اللهِ وَنِدَاؤُهُ لِقَضَاءِ الْحَاجَاتِ، وَتَفْرِيجِ الْكُرُبَاتِ، لَكَفَى ذَلِكَ عِبَادَةً لَهُ هُوَ وَشُرُكَاهُ بِاللهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَفِي رِوَايَةٍ ضَعِيفَةٍ «الدُّعَاءُ مُخُّ الْعِبَادَةِ» وَالْأُولَى تَفْقِدُ حَصْرَ الْعِبَادَةِ الْحَقِيقِيَّةِ فِي الدُّعَاءِ، وَهُوَ حَصْرٌ عَلَى سَبِيلِ الْمُبَالَغَةِ كَأَنَّ مَا عَدَا الدُّعَاءَ لَا يُعَدُّ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ، وَقَدْ قَالُوا: إِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ قَبِيلِ حَدِيثِ: «الْحَجُّ عَرَفَةُ» أَيْ: هُوَ الرُّكْنُ الْأَهَمُّ الَّذِي لَا يُعْتَدُّ بِغَيْرِهِ عِنْدَ تَرْكِهِ، وَمَنْ تَأَمَّلَ تَعْبِيرَ الْكِتَابِ الْعَزِيزِ عَنِ الْعِبَادَةِ بِالدُّعَاءِ فِي أَكْثَرِ الْآيَاتِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ وَهِيَ كَثِيرَةٌ جَدًا يَعْلَمُ كَمَا يَعْلَمُ مَنِ اخْتَبَرَ أَحْوَالَ الْبَشَرِ فِي عِبَادَاتِهِمْ أَنَّ الدُّعَاءَ هُوَ الْعِبَادَةُ الْحَقِيقِيَّةُ الْفِطْرِيَّةُ الَّتِي يُثِيرُهَا الِاعْتِقَادُ الرَّاسِخُ مِنْ أَعْمَاقِ النَّفْسِ وَلاسيما عِنْدَ الشِّدَّةِ، وَأَنَّ مَا عَدَا الدُّعَاءَ مِنَ الْعِبَادَاتِ فِي جَمِيعِ الْأَدْيَانِ فَكُلَّهُ أَوْ جُلَّهُ تَعْلِيمِيٌّ تَكْلِيفِيٌّ يُفْعَلُ بِالتَّكَلُّفِ وَالْقُدْوَةِ، وَقَدْ يَكُونُ فِي الْغَالِبِ خَالِيًا مِنَ الشُّعُورِ الَّذِي بِهِ يَكُونُ الْقَوْلُ أَوِ الْعَمَلُ عِبَادَةً وَهُوَ الشُّعُورُ بِالسُّلْطَةِ الْغَيْبِيَّةِ الَّتِي هِيَ وَرَاءُ الْأَسْبَابِ الْعَادِيَّةِ، حَتَّى إِنَّ الْأَدْعِيَةَ التَّعْلِيمِيَّةَ فِي جَمِيعِ الْأَدْيَانِ قَدْ تَكُونُ خَالِيَةً مِنْ مَعْنَى الْعِبَادَةِ وَرُوحِهَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ، سَوَاءٌ دُعِيَ بِهَا اللهُ وَحْدَهُ أَوْ دُعِيَ بِهَا غَيْرُهُ مَعَهُ أَوْ وَحْدَهُ، وَلاسيما الْأَدْعِيَةُ الرَّاتِبَةُ فِي الصَّلَوَاتِ الْمَوْقُوتَةِ أَوْ فِي غَيْرِ الصَّلَوَاتِ، فَإِنَّ الْحَافِظَ لَهَا يُحَرِّكُ بِهَا لِسَانَهُ فِي الْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ وَقَلْبُهُ مَشْغُولٌ بِشَيْءٍ آخَرَ، إِنَّمَا الْعِبَادَةُ جَدُّ الْعِبَادَةِ فِي الدُّعَاءِ الَّذِي يَفِيضُ عَلَى اللِّسَانِ مِنْ سُوَيْدَاءِ الْقَلْبِ وَقُرَارَةِ النَّفْسِ، عِنْدَ وُقُوعِ الْخَطْبِ وَشِدَّةِ الْكَرْبِ، وَالشُّعُورِ بِشِدَّةِ الْحَاجَةِ إِلَى الشَّيْءِ، وَاسْتِعْصَاءِ الْوَسَائِلِ إِلَيْهِ، وَتَقَطُّعِ الْأَسْبَابِ دُونَهُ، ذَلِكَ الدُّعَاءُ الَّذِي تَسْمَعُهُ مِنْ أَصْحَابِ الْحَاجَاتِ، وَذَوِي الْكُرُبَاتِ عِنْدَ حُدُوثِ الْمُلِمَّاتِ، وَفِي هَيَاكِلِ الْعِبَادَاتِ، وَلَدَى قُبُورِ الْأَمْوَاتِ، ذَلِكَ الدُّعَاءُ الْخَالِصُ الَّذِي يَغْشَاهُ جَلَالُ الْإِخْلَاصِ، وَيُمَثِّلُ كُلَّ حَرْفٍ مِنْ حُرُوفِهِ مَعْنَى الْخُشُوعِ التَّامِّ وَنَاهِيكَ بِمَا يُفَجِّرُهُ هَذَا الْخُشُوعُ مِنْ يَنَابِيعِ الدُّمُوعِ، ذَلِكَ الدُّعَاءُ الَّذِي يَسْتَغِلُّهُ سَدَنَةُ الْهَيَاكِلِ وَيَسْتَثْمِرُهُ خَدَمَةُ الْمَقَابِرِ، وَيَضَنُّ بِهِ وَيُدَافِعُ عَنْهُ رُؤَسَاءُ الْأَدْيَانِ؛ لِأَنَّهُ أَشَدُّ أَرْكَانِ رِيَاسَتِهِمْ عَلَى الْعَوَامِّ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَضَنُّ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَرَى لِجُمْهُورِ الْجَاهِلِينَ غِنًى عَنْهُ، وَلَا يَرَى فِي حَيِّزِ الْإِمْكَانِ اسْتِبْدَالَ التَّوْحِيدِ بِهِ، عَلَى أَنَّ الْمُوَحِّدِينَ أَعْلَى إِخْلَاصًا، وَأَشَدَّ حُبًّا لِلَّهِ وَخُشُوعًا {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ} [2: 165].
{وَمِنْ يُشْرِكْ بِاللهِ} أَيْ: وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ أَحَدًا أَوْ شَيْئًا فَيَدْعُهُ مَعَهُ، وَيَذْكُرِ اسْمَهُ مَعَ اسْمِهِ، أَوْ يَدْعُهُ مِنْ دُونِهِ، مُلَاحِظًا فِي دُعَائِهِ أَنَّهُ يُقَرِّبُهُ إِلَيْهِ زُلْفَى، أَوْ غَيْرَ مُلَاحِظٍ ذَلِكَ وَلَا مُتَذَكِّرٍ لَهُ، وَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ لَوْ ذُكِّرَ بِهِ لَذَكَرَهُ، وَهَذَا النَّوْعُ مِنَ الشِّرْكِ فِي الْعِبَادَةِ الَّذِي يَتَجَلَّى فِي الدُّعَاءِ هُوَ أَقْوَاهَا؛ لِأَنَّ الِاعْتِقَادَ فِيهِ يَكُونُ وِجْدَانِيًّا حَاكِمًا عَلَى النَّفْسِ مُسْتَعْبِدًا لَهَا، وَدُونَهُ الشِّرْكُ الْمَبْنِيُّ عَلَى الْفِكْرِ وَالنَّظَرِ الَّذِي يُحَاجُّكَ صَاحِبُهُ بِالشُّبَهَاتِ الْمَشْهُورَةِ الْمُنْتَزَعَةِ مِنْ تَشْبِيهِ الْخَالِقِ بِالْمَخْلُوقِينَ وَقِيَاسِهِ عَلَى الْمُلُوكِ الظَّالِمِينَ، كَقَوْلِهِمْ: إِنَّ الْإِنْسَانَ الْمُذْنِبَ الْخَاطِئَ وَالضَّعِيفَ الْمُقَصِّرَ لَا يَلِيقُ بِهِ أَنْ يُخَاطِبَ الْإِلَهَ الْعَظِيمَ كِفَاحًا وَلَا أَنْ يَدْعُوَهُ مُبَاشَرَةً، بَلْ عَلَيْهِ أَنْ يَتَّخِذَ لَهُ وَلِيًّا يَكُونُ وَاسِطَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ، كَمَا يَتَّخِذُ آحَادُ الرَّعِيَّةِ الْوَسَائِطَ إِلَى الْمُلُوكِ وَالْأُمَرَاءِ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ إِلَيْهِمْ، وَقَدْ يَكُونُ صَاحِبُ هَذِهِ الْعَقِيدَةِ النَّظَرِيَّةِ مُقَلِّدًا فِيهَا بِالرَّأْيِ وَالْقَوْلِ الَّذِي يُسَمِّيهِ حُجَّةً وَدَلِيلًا سَلِيمَ الْوِجْدَانِ مِنْ تَأْثِيرِهَا لِعَدَمِ التَّقْلِيدِ فِيهَا بِتَكْرَارِ الْعَمَلِ فَهُوَ لَا يُلَابِسُهُ إِلَّا قَلِيلًا، وَكَذَلِكَ مَنْ يُشْرِكْ فِي رُبُوبِيَّةِ اللهِ تَعَالَى بِاتِّخَاذِ بَعْضِ الْمَخْلُوقِينَ شَارِعِينَ يُحِلُّونَ لَهُ مَا يَرَوْنَ تَحْلِيلَهُ، وَيُحَرِّمُونَ عَلَيْهِ مَا يَرَوْنَ تَحْرِيمَهُ، فَيَتَّبِعُهُمْ فِي ذَلِكَ مَنْ يُشْرِكُ بِاللهِ أَيَّ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الشِّرْكِ فَقَدْ ضَلَّ عَنِ الْقَصْدِ، وَتَنَكَّبَ سَبِيلَ الرُّشْدِ ضَلَالًا بَعِيدًا عَنْ صِرَاطِ الْهِدَايَةِ، مُوغِلًا فِي مَهَامِّهِ الْغَوَايَةَ؛ لِأَنَّهُ ضَلَالٌ يُفْسِدُ الْعَقْلَ وَيُدَسِّي النَّفْسَ فَيَخْضَعُ صَاحِبُهُ وَيَسْتَخْذِي لِعَبْدٍ مِثْلِهِ، وَيَخْشَعُ وَيَضْرَعُ أَمَامَ مَخْلُوقٍ يُحَاكِيهِ أَوْ يَزِيدُ عَلَيْهِ فِي عَجْزِهِ فَيُطِيعُ مَنْ لَا يُطَاعُ، وَيَرْجُو وَلَا مَوْضِعَ لِلرَّجَاءِ، وَيَخَافُ وَلَا مَوْطِنَ لِلْخَوْفِ، وَيَكُونُ عَبْدًا لِلْأَوْهَامِ، عُرْضَةً لِلْخُرَافَاتِ، لَا اسْتِقْلَالَ لِعَقْلِهِ فِي إِدْرَاكِهِ، وَلَا لِإِرَادَتِهِ فِي عَمَلِهِ، بَلْ يَكُونُ عَقْلُهُ وَرَأْيُهُ وَإِرَادَتُهُ فِي تَصَرُّفِ بَعْضِ الْمَخْلُوقَاتِ الَّتِي لَا تَمْلِكُ لَهُ وَلَا لِأَنْفُسِهَا نَفْعًا وَلَا ضَرًّا، وَلَا هِدَايَةً وَلَا غَوَايَةً قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا، وَلَا نَفْعًا، وَلَا غَوَايَةً وَلَا رَشَدًا قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا إِلَّا بَلَاغًا مِنَ اللهِ وَرِسَالَاتِهِ، فَهَذَا أَعْلَى وَأَعْظَمُ مَا أَعْطَاهُ اللهُ تَعَالَى لِلْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ مِنْ عِبَادِهِ، وَمَيَّزَهُمْ بِهِ عَلَى سَائِرِ عِبَادِهِ، وَهُوَ تَبْلِيغُ رِسَالَتِهِ، وَالدَّعْوَةُ إِلَى دِينِهِ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونُوا مُسَيْطِرِينَ وَلَا جَبَّارِينَ، وَلَا آلِهَةً أَوْ أَرْبَابًا مَعْبُودِينَ {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [18: 110].
فَعُلِمَ مِنْ هَذَا وَمِمَّا بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ فِي مِثْلِ هَذَا الْبَحْثِ أَنَّ سَبَبَ عَدَمِ مَغْفِرَةِ اللهِ لِلشِّرْكِ مَعَ جَوَازِ غُفْرَانِ غَيْرِهِ يُؤْخَذُ مِنْ قَاعِدَتَيْنِ:
الْأُولَى: أَنَّ الْجَزَاءَ فِي الْآخِرَةِ هُوَ بِسَلَامَةِ الْأَرْوَاحِ وَسَعَادَتِهَا أَوْ هَلَاكِهَا وَشَقَاوَتِهَا، هُوَ تَابِعٌ لِمَا تَكُونُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا مِنْ سَلَامَةِ الْفِطْرَةِ وَصِحَّةِ الْعَقِيدَةِ، وَدَرَجَةِ الْفَضِيلَةِ الَّتِي يُلَازِمُهَا فِعْلُ الْخَيْرَاتِ، وَعَمَلُ الصَّالِحَاتِ، أَوْ فَسَادُ الْفِطْرَةِ، وَخَطَأُ الْعَقِيدَةِ، وَالتَّدَنُّسُ بِالرَّذِيلَةِ.
الثَّانِيَةُ: أَنَّ لِمَا يَكُونُ النَّاسُ عَلَيْهِ مِنَ الْأَمْرَيْنِ دَرَجَاتٍ وَدَرَكَاتٍ، أَسْفَلُهَا وَأَخَسُّهَا الشِّرْكُ، وَأَعْلَاهَا كَمَالُ التَّوْحِيدِ، وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا صِفَاتٌ وَأَعْمَالٌ تُنَاسِبُهُمَا، فَلَوْ جَازَ أَنْ يَغْفِرَ الشِّرْكَ فَتَكُونَ رُوحُ صَاحِبِهِ مَعَ أَرْوَاحِ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ، تَجُولُ مَعَ الْمَلَائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ فِي عِلِّيِّينَ، لَكَانَ ذَلِكَ نَقْضًا أَوْ تَبْدِيلًا لِسُنَّةِ اللهِ تَعَالَى فِي خَلْقِ النَّاسِ الَّتِي تَرَتَّبَ عَلَيْهَا أَنْ يَكُونَ مِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ، فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ، بَعْضُهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ بِطَبْعِهِ وَصِفَاتِهِ الرُّوحِيَّةِ كَمَا يَكُونُ الْأَخَفُّ مِنَ الْغَازَاتِ وَالْمَائِعَاتِ فَوْقَ الْأَثْقَلِ بِطَبْعِهِ، سُنَّةَ اللهِ الَّتِي لَا تَبْدِيلَ لَهَا وَلَا تَغْيِيرَ.
ثُمَّ بَيَّنَ تَعَالَى بَعْضَ أَحْوَالِ الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ: {إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا} أَيْ: إِنَّهُمْ لَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لِقَضَاءِ حَوَائِجِهِمْ وَتَفْرِيجِ كُرُوبِهِمْ، إِلَّا إِنَاثًا كَاللَّاتِ وَالْعُزَّى وَمَنَاةَ، وَكَانَ لِكُلِّ قَبِيلَةٍ صَنَمٌ يُسَمُّونَهُ أُنْثَى بَنِي فُلَانٍ، أَوِ الْمُرَادُ أَسْمَاءُ مَعْبُودَاتِ وَآلِهَةٍ لَيْسَ لَهَا مِنْ حَقِيقَةِ مَعْنَى الْأُلُوهِيَّةِ شَيْءٌ كَمَا قَالَ فِي سُورَةٍ أُخْرَى: {مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ} [12: 40]، أَيْ: أَسْمَاءٌ مُؤَنَّثَةٌ فِي الْغَالِبِ، أَوِ الْمُرَادُ مَعْبُودَاتٌ ضَعِيفَةٌ أَوْ عَاجِزَةٌ كَالْإِنَاثِ لَا تَدْفَعُ عَدُوًّا وَلَا تُدْرِكُ ثَأْرًا، كَمَا وَصَفَهَا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ بِأَنَّهَا لَا تَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا، وَكَانَتِ الْعَرَبُ تَصِفُ الضَّعِيفَ بِالْأُنُوثَةِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ ضَعْفِ الْمَرْأَةِ بَلْ ضَعْفِ جَمِيعِ إِنَاثِ الْحَيَوَانِ عَنِ الذُّكُورِ، حَتَّى قَالُوا لِلْحَدِيدِ اللَّيِّنِ أَنِيثٌ، وَرَجَّحَ الرَّاغِبُ وَغَيْرُهُ أَنَّ وَجْهَ تَسْمِيَةِ مَعْبُودَاتِهِمْ إِنَاثًا هُوَ كَوْنُهَا جَمَادَاتٍ مُنْفَعِلَةً لَا فِعْلَ لَهَا كَالْحَيَوَانِ الَّذِي هُوَ فَاعِلٌ مُنْفَعِلٌ، كَمَا وُصِفَتْ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ بِكَوْنِهَا لَا تَسْمَعُ وَلَا تُبْصِرُ، وَلَيْسَ لَهَا أَيْدٍ تَبْطِشُ بِهَا وَلَا أَرْجُلٌ تَمْشِي بِهَا، كَأَنَّهُ يُذَكِّرُهُمْ بِهَذَا النَّوْعِ مِنَ الْأَدِلَّةِ عَلَى بُطْلَانِ أُلُوهِيَّتِهَا بِمَا ارْتَكَبُوهُ مِنَ الْعَارِ وَالْخِزْيِ بِعِبَادَةِ مَا كَانَ هَذَا وَصْفُهُ، وَقَدِ اسْتَبْعَدَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ تَفْسِيرَ الْإِنَاثِ بِالْأَصْنَامِ الْمَذْكُورَةِ كَمَا اسْتَبْعَدَ تَفْسِيرَهُ بِالْمَلَائِكَةِ لِأَنَّهُمْ سَمَّوْهُمْ بَنَاتِ اللهِ، وَقَالَ: إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْمُفَسِّرِينَ قَالُوا: إِنَّ الْمُرَادَ بِالْإِنَاثِ هُنَا الْمَوْتَى؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ تُطْلِقُ عَلَيْهِمْ لَفْظَ الْإِنَاثِ لِضَعْفِهِمْ أَوْ يُقَالُ لِعَجْزِهِمْ وَمَعَ ذَلِكَ كَانُوا يُعَظِّمُونَ بَعْضَ الْمَوْتَى وَيَدْعُونَهَا كَمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَمُسْلِمِي هَذِهِ الْقُرُونِ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ الْأُسْتَاذُ وَقَالَ: إِنَّ الْمُرَادَ بِالدُّعَاءِ ذَلِكَ التَّوَجُّهُ الْمَخْصُوصُ بِطَلَبِ الْمَعُونَةِ لِهَيْبَةٍ غَيْبِيَّةٍ لَا يَعْقِلُ الْإِنْسَانُ مَعْنَاهَا.
{وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا} أَيْ: وَمَا يَدْعُونَ بِدَعْوَتِهَا إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا، قَالُوا: الشَّيْطَانُ يُطْلَقُ عَلَى الْعَارِمِ الْخَبِيثِ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالْمَرِيدِ وَالْمَارِدِ الْمُتَعَرِّي مِنَ الْخَيْرَاتِ مِنْ قَوْلِهِمْ: شَجَرٌ أَمْرَدٌ إِذَا تَعَرَّى مِنَ الْوَرَقِ، وَمِنْهُ رَمْلَةٌ مَرْدَاءُ لَمْ تُنْبِتْ شَيْئًا، أَوْ هُوَ مِنْ مَرَدَ عَلَى الشَّيْءِ إِذَا مُرِّنَ عَلَيْهِ حَتَّى صَارَ يَأْتِيهِ بِغَيْرِ تَكَلُّفٍ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ} [9: 101]، أَيْ: شَيْطَانًا مَرَدَ عَلَى الْإِغْوَاءِ وَالْإِضْلَالِ، أَوْ تَمَرَّدَ وَاسْتَكْبَرَ عَنِ الطَّاعَةِ، ثُمَّ وَصَفَهُ وَصْفًا آخَرَ فَقَالَ: {لَعَنَهُ اللهُ}، وَاللَّعْنُ عِبَارَةٌ عَنِ الطَّرْدِ وَالْإِبْعَادِ مَعَ السُّخْطِ وَالْإِهَانَةِ وَالْخِزْيِ، أَيْ: أَبْعَدَهُ اللهُ عَنْ مَوَاقِعَ فَضْلِهِ وَتَوْفِيقِهِ وَمُوجِبَاتِ رَحْمَتِهِ، أَيْ: أَنَّهُمْ مَا يَدْعُونَ إِلَّا ذَلِكَ الشَّيْطَانَ الْمَرِيدَ الْمَلْعُونَ الَّذِي هُوَ دَاعِيَةُ الْبَاطِلِ وَالشَّرِّ فِي نَفْسِ الْإِنْسَانِ بِمَا يُوَسْوِسُ فِي صَدْرِهِ وَيَعِدُهُ وَيُمَنِّيهِ كَمَا بَيَّنَهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا} إِلَخْ، النَّصِيبُ: الْحِصَّةُ وَالسَّهْمُ مِنَ الشَّيْءِ، وَهُوَ لَيْسَ نَصًّا فِي قِلَّةٍ وَلَا كَثْرَةٍ، وَقَدْ يَتَبَادَرُ مِنْهُ الْقِلَّةُ، وَالْمَفْرُوضُ: الْمُعَيَّنُ وَأَصْلُهُ مِنَ الْفَرْضِ وَالْحَزِّ فِي الْخَشَبَةِ كَمَا بَيَّنَاهُ فِي أَوَائِلِ السُّورَةِ، وَمِنْهُ الْفَرْضُ فِي الْعَطَاءِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا النَّصِيبُ طَائِفَةَ الَّذِينَ يُضِلُّهُمْ وَيُغْوِيهِمْ وَيُزَيِّنُ لَهُمُ الشِّرْكَ وَالْمَعَاصِيَ، وَأَنْ يَكُونَ حَظُّهُ مِنْ نَفْسِ كُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ النَّاسِ، وَهُوَ الِاسْتِعْدَادُ الْفِطْرِيُّ لِلْبَاطِلِ وَالشَّرِّ الْمُقَابِلِ لِلِاسْتِعْدَادِ الْفِطْرِيِّ لِلْحَقِّ وَالْخَيْرِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ، قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ: النَّصِيبُ الْمَفْرُوضُ هُوَ مَا لِلشَّيْطَانِ فِي نَفْسِ كُلِّ أَحَدٍ مِنَ الِاسْتِعْدَادِ لِلشَّرِّ الَّذِي هُوَ أَحَدُ النَّجْدَيْنِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} [90: 10]، فَهَذَا هُوَ عَوْنُ الشَّيْطَانِ عَلَى الْإِنْسَانِ، وَهُوَ عَامٌّ فِي النَّاسِ حَتَّى الْمَعْصُومِينَ، وَلَكِنْ أَخْبَرَنَا اللهُ تَعَالَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى عِبَادِهِ الْمُخْلَصِينَ، فَإِذَا هُوَ زَيَّنَ لَهُمْ شَيْئًا لَا يَغْلِبُهُمْ عَلَى عَمَلِهِ، فَمَا مِنْ إِنْسَانٍ إِلَّا وَيَشْعُرُ مِنْ نَفْسِهِ بِوَسْوَسَةِ الشَّيْطَانِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِالشِّرْكِ فَبِالْمَعْصِيَةِ وَالْإِصْرَارِ عَلَيْهَا أَوِ الرِّيَاءِ فِي الْعِبَادَةِ اهـ، أَقُولُ: وَقَدْ وَرَدَ فِي الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ مَا يُؤَيِّدُ هَذَا، وَسَنَذْكُرُهُ إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنَ التَّفْسِيرِ.
وَهَذَا الْقَوْلُ وَأَمْثَالُهُ فِي الْقُرْآنِ الْمَجِيدِ فِي مُخَاطَبَةِ إِبْلِيسَ مَعَ الْبَارِئِ- جَلَّ وَعَلَا- هُوَ مِنَ الْأَقْوَالِ التَّكْوِينِيَّةِ أَيِ الَّتِي يُعَبِّرُ بِهَا عَنْ تَكْوِينِ الْعَالِمِ وَمَا خَلَقَهُ اللهُ عَلَيْهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَّانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} [41: 11]، فَقَوْلُهُ تَعَالَى هَذَا لِلسَّمَاءِ وَالْأَرْضِ قَوْلٌ تَكْوِينِيٌّ لَا تَكْلِيفِيٌّ فَهُوَ مِنْ قَبِيلِ قَوْلِهِ لِلشَّيْءِ: {كُنْ فَيَكُونُ} [36: 82]، وَقَوْلُهُمَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ، تَكْوِينِيٌّ أَيْضًا فَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ كَوْنِهِمَا وُجِدَتَا كَمَا أَرَادَ اللهُ تَعَالَى أَنْ تُوجَدَا عَلَيْهِ، كَمَا يُجِيبُ الْعَبْدُ الْعَاقِلُ نِدَاءَ مَوْلَاهُ، وَالْمَعْنَى أَنَّ الشَّيْطَانَ خُلِقَ هَكَذَا فَدُعَاؤُهُ دُعَاءُ مُتَمَرِّدٍ عَلَى الْحَقِّ بَعِيدٍ عَنِ الْخَيْرِ، مُغْرَى بِإِغْوَاءِ الْبَشَرِ وَإِضْلَالِهِمْ كَمَا عَبَّرَ عَنْ طَبْعِهِ وَسَجِيَّتِهِ بِصِيغَةِ الْقَسَمِ.
{وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ} أَيْ: لِأَتَّخِذَنَّ مِنْهُمْ نَصِيبًا وَلِأُضِلَّنَّهُمْ عَنِ الْحَقِّ وَلَأَشْغَلَنَّهُمْ بِالْأَمَانِيِّ الْبَاطِلَةِ، أَيْ: هَذَا شَأْنُهُ وَمُقْتَضَى طَبْعِهِ، وَالْأَمَانِيِّ جَمْعُ أُمْنِيَّةٍ، قَالَ الرَّاغِبُ: وَهِيَ الصُّورَةُ الْحَاصِلَةُ فِي النَّفْسِ مِنْ تَمَنِّي الشَّيْءِ، يُقَالُ: تَمَنَّى الشَّيْءَ إِذَا أَحَبَّ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَتَّخِذْ لَهُ أَسْبَابَهُ، كَمَا يَتَمَنَّى الْمُقَامِرُ الثَّرْوَةَ بِالْمُقَامَرَةِ وَهِيَ لَيْسَتْ سَبَبًا طَبِيعِيًّا لِلْغِنَى بَلْ لَيْسَتْ مِنَ الْكَسْبِ الْمُعْتَادِ، وَالْمَعْنَى الْأَصْلِيُّ لِهَذِهِ الْمَادَّةِ التَّقْدِيرُ، يُقَالُ: مَنَى لَكَ الْمَانِي أَيْ: قَدَّرَ لَكَ الْمُقَدِّرُ، وَالْمَصْدَرُ الْمَنَى بِالْفَتْحِ، قَالَ الرَّاغِبُ: وَمِنْهُ الْمَنَّا الَّذِي يُوزَنُ بِهِ فِيمَا قِيلَ، وَأَقُولُ: الْأَجْدَرُ بِهَذَا أَنْ يَكُونَ هُوَ الْأَصْلُ عَلَى الْمَذْهَبِ الْمَعْرُوفِ فِي كَوْنِ الْأَشْيَاءِ الْجَامِدَةِ وَالْمُدْرَكَةِ بِالْحَوَاسِّ هِيَ أَصْلٌ لِلْأَشْيَاءِ الْمَعْنَوِيَّةِ، وَالتَّمَنِّي تَقْدِيرُ شَيْءٍ فِي النَّفْسِ وَتَصْوِيرُهُ فِيهَا، وَقَدْ يَكُونُ عَنْ تَخْمِينٍ وَظَنٍّ، وَقَدْ يَكُونُ عَنْ رَوِيَّةٍ وَبِنَاءٍ عَلَى أَصْلٍ، وَلَمَّا كَانَ أَكْثَرُهُ عَنْ تَخْمِينٍ صَارَ الْكَذِبُ لَهُ أَمْلَكَ، فَأَكْثَرُهُ تَصَوُّرُ مَا لَا حَقِيقَةَ لَهُ كَمَا قَالَ الرَّاغِبُ.
وَقَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ: إِنَّ إِضْلَالَهُ لِمَنْ يُضِلُّهُمْ هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ صَرْفِهِمْ عَنِ الْعَقَائِدِ الصَّحِيحَةِ، بِمَعْنَى أَنَّهُ يَشْغَلُهُمْ عَنِ الدَّلَائِلِ الْمُوصِلَةِ إِلَى الْحَقِّ وَالْهُدَى، وَأَمَّا التَّمْنِيَةُ فَهِيَ فِي الْأَعْمَالِ بِأَنْ يُزَيِّنَ لَهُمُ الِاسْتِعْجَالَ بِاللَّذَّاتِ الْحَاضِرَةِ وَالتَّسْوِيفِ بِالتَّوْبَةِ وَبِالْعَمَلِ الصَّالِحِ بَلْ هَذَا اسْمٌ جَامِعٌ لِأَنْوَاعِ وَحْيِ الشَّيْطَانِ كُلِّهَا وَتَغْرِيرِهِ لِلنَّاسِ بِعَفْوِ اللهِ وَرَحْمَتِهِ وَمَغْفِرَتِهِ.
{وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ} الْبَتْكُ يُقَارِبُ الْبَتُّ فِي مَعْنَاهُ الْعَامُّ الَّذِي هُوَ الْقَطْعُ وَالْفَصْلُ، فَالْبَتُّ يُقَالُ فِي قَطْعِ الْحَبْلِ وَالْوَصْلِ مِنَ الْحِسِّيَّاتِ، وَفِي الطَّلَاقِ يُقَالُ طَلَّقَهَا بَتَّةً أَيْ: طَلَاقًا بَائِنًا، وَالْبَتْكُ يُقَالُ فِي قَطْعِ الْأَعْضَاءِ وَالشَّعْرِ وَنَتْفِ الرِّيشِ، وَبَتَكْتُ الشَّعْرَ تَنَاوَلْتُ بِتْكَةً مِنْهُ، وَهِيَ- بِالْكَسْرِ- الْقِطْعَةُ الْمُنْجَذِبَةُ جَمْعُهَا بِتَكٌ قَالَ الشَّاعِرُ:
طَارَتْ وَفِي يَدِهِ مِنْ رِيشِهَا بِتَكٌ